أضرار الكعب العالي على الدماغ

الكعب العالي يذهب بعقول النساء: بين الجاذبية والاضطرابات العصبية

ارتبط الكعب العالي منذ قرون بالأنوثة والجاذبية والتميّز الاجتماعي، وأصبح رمزاً للموضة يعكس الذوق الرفيع والانتماء للطبقات الراقية. إلا أن هذا الحذاء، رغم أناقته الظاهرية، يخفي وراءه سلسلة معقّدة من الأضرار الصحية والنفسية التي قد تصل إلى تأثيرات عصبية تمسّ الإدراك والدماغ ذاته. إذ تشير أبحاث حديثة إلى أن الاستخدام المزمن للكعب العالي قد لا يقتصر ضرره على العمود الفقري والمفاصل، بل يمتد إلى الدماغ، ويؤثر على الإدراك والوعي الحركي والمعرفي عند النساء.

الجاذبية المصطنعة وتأثيرها على الجهاز العصبي

عند ارتداء الكعب العالي، يتم إجبار الجسم على اتخاذ وضعية غير طبيعية للحفاظ على التوازن. هذا التحول يؤدي إلى إعادة توزيع الوزن وضغط غير متوازن على القدمين والعمود الفقري والوركين، مما يولد سلسلة من التعديلات العصبية العضلية. ومع الوقت، تؤثر هذه التعديلات على الدماغ من خلال ما يعرف بـ”التغذية العصبية الراجعة” (Neural Feedback)، وهي إشارات يتم إرسالها باستمرار من العضلات والمفاصل إلى الجهاز العصبي المركزي.

الاستقبال المستمر لإشارات غير طبيعية بسبب تغيير مركز الثقل يؤدي إلى تغيرات في قشرة الدماغ الحركية ومناطق التوازن، وقد يضعف الأداء المعرفي المرتبط بالحركة والتخطيط. هذا التغيير العصبي العصبي يمكن أن يؤدي إلى ما يشبه “الارتباك الحسي”، وهو حالة يضطر فيها الدماغ إلى العمل بشكل مضاعف لمعالجة إشارات غير متجانسة من الجسم، ما قد يسبب تعباً إدراكياً ونقصاً في الكفاءة الذهنية في المهام التي تتطلب تركيزاً حركياً عالياً.

الكعب العالي: خطر دائم على العمود الفقري والدماغ

تشير الدراسات إلى أن النساء اللاتي يلبسن الكعب العالي بانتظام يعانين من اختلالات مزمنة في المحاذاة الجسدية، بدءاً من كاحل القدم حتى الرقبة. هذا الاختلال يؤدي إلى تضيّق في المساحات بين الفقرات، الأمر الذي يُحدث ضغطاً على الأعصاب الشوكية ويؤدي إلى التهابات عصبية مزمنة.

هذه الالتهابات العصبية لا تتوقف عند الألم الموضعي، بل يمكنها أن ترفع من مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) في الدم، مما يُخلّ بالتوازن الكيميائي في الدماغ ويؤثر سلباً على المزاج والقدرات المعرفية، خصوصاً التركيز والذاكرة قصيرة المدى. وهكذا، يصبح الكعب العالي ليس مجرد عامل ضغط ميكانيكي، بل محفزاً لاضطرابات بيولوجية تؤثر على الدماغ.

اضطرابات التوازن العصبي وتأثيرها على الأداء الإدراكي

أظهرت دراسات تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أن التوازن الحركي يرتبط بشكل وثيق بالمراكز الإدراكية في الدماغ، خاصة تلك المسؤولة عن التقدير المكاني، واتخاذ القرار، والانتباه. وبما أن الكعب العالي يُخل بتوازن الجسم الطبيعي، فإن هذا الخلل يمكن أن ينتقل تدريجياً إلى المراكز الدماغية المسؤولة عن تحليل الإشارات الحسية والحركية.

عندما يصبح الدماغ مشغولاً بإعادة تصحيح الوضعية الجسدية باستمرار، يفقد القدرة على التركيز الكامل في الأنشطة الأخرى، ويزداد احتمال التعثر والسقوط، كما قد تتراجع كفاءة الأداء الذهني في المهام اليومية. وقد ربطت بعض الأبحاث المستندة إلى تجارب على المتطوعات اللاتي يرتدين الكعب العالي لفترات طويلة انخفاض مستوى الأداء في اختبارات الانتباه والانضباط العقلي مقارنة باللواتي يرتدين أحذية مسطحة.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين التأثيرات العصبية والجسدية للكعب العالي مقابل الأحذية المسطحة:

الكعب العالي واضطراب الإدراك الحسي الجسدي

النساء اللاتي يرتدين الكعب العالي باستمرار يعانين مما يُعرف بـ “التحوير الإدراكي الحسي الجسدي” (Sensorimotor Recalibration). هذا التعديل الإجباري يعني أن الدماغ يبدأ في إعادة برمجة استجاباته الحركية بشكل غير طبيعي ليتماشى مع الوضع الجديد للجسم، وهو ما قد يؤدي إلى ضعف قدرة المرأة على الاستجابة السريعة للمحفزات الخارجية، أو ما يُعرف ببطء رد الفعل.

قد لا تشعر المرأة بهذه التغييرات فوراً، ولكن على المدى الطويل، تصبح أقل قدرة على التفاعل السريع مع المنبهات، خصوصاً في البيئات المزدحمة أو عند القيادة أو ممارسة الرياضة، مما يزيد من خطر الإصابات والحوادث اليومية.

الجوانب النفسية وتأثيرها التراكمي على الوعي

لا يمكن تجاهل الجانب النفسي المرتبط بارتداء الكعب العالي. فمع أنه يُضفي شعوراً بالثقة والأنوثة، إلا أنه يُخضع المرأة أيضاً لمعايير جمالية صارمة قد تولد ضغطاً نفسياً مستمراً، خاصة في البيئات المهنية أو الاجتماعية. هذه الضغوط تساهم في تعزيز حالات التوتر والقلق، والتي ثبت علمياً أنها تؤثر على نشاط الدماغ، وتقلل من كفاءة التفكير النقدي واتخاذ القرار.

إضافة إلى ذلك، يؤدي الألم المزمن الناتج عن ارتداء الكعب العالي إلى ما يُعرف بـ”الإرهاق العصبي”، وهي حالة يحدث فيها استنزاف مستمر لموارد الدماغ، ما يؤثر على جودة النوم، والقدرة على التركيز، والإنتاجية اليومية.

ارتداء الكعب العالي أثناء النمو العصبي

في مرحلة المراهقة والشباب، يكون الجهاز العصبي في طور التطور والتشكّل. ارتداء الكعب العالي في هذه الفترات الحساسة قد يؤدي إلى تطورات غير سليمة في البنية العصبية العضلية. تشير الدراسات إلى أن الفتيات اللاتي يبدأن بارتداء الكعب العالي في سن مبكرة قد يطوّرن نمط مشي غير متوازن، واختلال في استقامة العمود الفقري، وتغيرات طويلة الأمد في طريقة استقبال الدماغ للإشارات الحسية.

الحلول والتوصيات للحد من التأثيرات العصبية

من أجل التخفيف من الآثار السلبية للكعب العالي، يمكن اتباع الخطوات التالية:

• تقنين الاستخدام: يفضل ألا تتجاوز مدة ارتداء الكعب العالي ثلاث ساعات في اليوم.

• الاستعانة بالنعال الطبية: استخدام داعمات باطنية مرنة تساعد في تقليل الضغط.

• التمارين التمددية: ممارسة تمارين خاصة للقدمين والعضلات القطنية والظهر بانتظام.

• اختيار الكعب العريض: يُفضل الكعب العريض والمنخفض نسبياً للحفاظ على التوازن.

• التناوب مع الأحذية المسطحة: تغيير الحذاء بين الحين والآخر يقلل من التوتر العضلي العصبي.

الخلاصة

رغم سحره الآني، يفرض الكعب العالي ثمناً باهظاً على النساء، لا يتمثل فقط في الألم الجسدي أو التعب اليومي، بل قد يمتد إلى اضطرابات عصبية تؤثر على الإدراك والوعي. إن الجمال الحقيقي لا ينبغي أن يكون على حساب الصحة العصبية أو النفسية، بل يستحق أن يُعاد التفكير في معايير الأناقة من منظور صحي شامل يوازن بين الجاذبية والسلامة العصبية.

المصادر:

1. Cronin, N. J. (2014). The effects of high heeled shoes on female gait: A review. Journal of Electromyography and Kinesiology, 24(2), 258-263.

2. Opila-Correia, K. A. (1990). Kinematics of high-heeled gait. Archives of Physical Medicine and Rehabilitation, 71(5), 304-309.